تحظى دولة قطر بسجل كبير في مجال التعايش والسلام وسط عالم تكثر فيه الصراعات، وتضم أعلى نسبة من المهاجرين في العالم، لذلك حرصت على إدارة هذا التنوع السكاني بكفاءة؛ لتحقيق التعايش السلمي، بوصفه هدفاً حضارياً سامياً، تسعى إليه البشرية. وحصلت دولة قطر على المرتبة الأولى إقليميا، ومراتب متقدمة عالميا في مؤشر السلام العالمي (IEP)، ومؤشر نامبيو للأمن والجريمة في العقد الأخير من القرن الحالي، ما استوجب دراسة الحالة القطرية في التنوع السكاني والتعايش السلمي، والخروج بنتائج قد تسهم في التخفيف من الهجوم الإعلامي العالمي على المسلمين، وحماية الأقليات المسلمة من الاضطهاد في بعض دول العالم.
وجاءت هذه الدراسة الميدانية بهدف تقويم تجربة الهجرة في قطر، وذلك من خلال استعراض الإجراءات القطرية في الجانب الثقافي المستلهمة من مبادئ الشريعة الإسلامية والمعايير الدولية، وتقويم مدى رضا العمالة المهاجرة، عن هذه الإجراءات، ومدى تحقق التعايش السلمي والتعارف الحضاري.
وتكمن مشكلة الدراسة في مثل هذا النوع من التساؤل: إلى أي مدى نجحت دولة قطر في دعم التعايش السلمي في الجانب الثقافي، في ظل التنوع السكاني الثقافي الكبير الذي تشهده، وفي ضوء أهدافها في مجال الهجرة لتحالف الحضارات؟
واتبعت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، وتمّ جمع البيانات من خلال أداة الاستبانة التي تم توزيعها على عينة طبقية، بلغت (2401) من أفراد العمالة الوافدة في قطر، واستخدام برنامج spss للتحليل الإحصائي الكمي. وخرجت الدراسة بنتائج، أهمها أنّ العمالة الوافدة قد أفصحت عن رضاها بنسبة عالية بلغت 82%، عن الإجراءات القطرية في الجانب الثقافي، وهذا كفيل بتحقيق نوع من الاستقرار والتعايش السلمي. وأوصت الدراسة باستثمار النموذج القطري لنشر قيم التعايش السلمي عالميا مع مراعاة خصوصية كل دولة، وتقديم هذا المشروع الوطني إلى منظمة الأمم المتحدة، بوصفه نموذجاً عالمياً قد يسهم في إيجاد حلول للنزاعات في المجتمعات التي تضم تنوعا ثقافيا، والحد من اضطهاد الأقليات المهاجرة فيها، خاصة الأقليات المسلمة. كما أوصت بتقديم دورات مجانية لتعليم اللغة العربية للوافدين، وإشراكهم في القضايا العربية والإسلامية.